م تعد الرياضة تعنى تهذيب النفوس، ولم تعد كرة القدم للاستمتاع، ولم تعد مبادئ الفيفا للـ Fair Play هي البيئة التي يتم من خلالها ممارسة هذه الرياضة، بل أصبحت كرة القدم ساحة للبلطجة ولتحقيق أهداف بعيدة تماما عن التنافس الشريف أو إمتاع الجماهير.
ففي سابقة خطيرة لم تحدث في مصر من قبل، قام رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك بإصدار بيان، وجه من خلاله تهديداً مباشراً إلى جماهير النادي الأهلي وإنذاراً شديد اللهجة، يحدد له فيه كيف يشجع فريقه، وما يقول وما لا يقول في هتافاته، في المباراة التي ستضم فريقيهما سوياً بعد عدة أيام، وتبدو خطورة ما قام به في أمرين:
1- أنه لم يحدث من قبل لا على مستوى الرياضة المصرية أو في أي دولة في العالم أن وجه رئيس نادي بياناً تحذيرياً لجماهير النادي المنافس مباشرة، قد يقصد منه أن يدفعهم لما ينكره عليهم، ولم يراعى مسئوليته ولا مكانته كرئيس لنادي ولم يراعى المبادئ والأصول والبروتوكولات المألوفة والمتبعة في العلاقة بين الأندية والإدارات المنافسة وأسلوب التخاطب معها فضلا عن مخاطبة الجمهور.
2- ركز بيان نادي الزمالك على تحذيرات الإتحاد الدولي لكرة القدم للجماهير بألا تهتف هتافات عنصرية، وتجاهل تماماً قيام الجماهير بسباب كل عناصر اللعبة بالأب والأم والاتهامات الماسة بالشرف، وهو بهذا تجاهل الأخلاقيات والعادات الشرقية الأصيلة، وكأن الفيفا أصبحت هي المتحكم في نوعية ما تصدره الجماهير من ألفاظ خارجة، وهو ما يعني أن الفيفا أصبحت تحكم قوانين الأخلاق في مصر، والبيان بهذا يدعو الجماهير بسباب كل عناصر اللعبة بالأب والأم والاتهامات الماسة بالشرف، ولكن لا يستخدموا هتافات يراها عنصرية، فنعم التوجيه الأخلاقي الذي يدعو إليه نادي الزمالك في بيانه.
3- أن الإدارة العليا التي تشرف على رياضة كرة القدم في مصر، اطلعت على البيان سواء من الصحف أو مواقع الإنترنت الإخبارية، ولم تتدخل لا من قريب ولا من بعيد برغم خطورة البيان ولغته الاستفزازية، لتنبيه رئيس النادي إلى مخالفة ما يقوم به لواجبات منصبه كرئيس لنادي تابع لها، والى أن ما يقوم به هو استفزاز مباشر من رئيس نادي يفترض أن يخاطب جماهيره أولا، ولا صلة له بجماهير النادي المنافس إلا من خلال إدارة ناديهم، أما على مستوى الناديين فهذا دور الأجهزة الإدارية والرقابية للمستوى الأعلى، ولم يكن ما قام به من المألوف حتى من روابط الأندية، في أن يصدر بيانا يهدد بشكل مباشر جماهير النادي المنافس.
ويبدو أن مفهوم الإدارة ثم الرياضة ليس واضحين تماما عند رجل الأعمال السيد رئيس النادي، لذا فإنه لا يرى بأساً ولا أمراً غريباً، في أن يقوم بحل مشاكل فريق كرة القدم بالنادي بعيدا عن البساط الأخضر، حتى لو من خلال مخطط يتم من خلاله استغلال تبادل جماهير الناديين الهتاف والاستفزاز، ومن السهل أن يدفع جمهور النادي المنافس لتكرار ما قاموا به من قبل من سب شيكابالا طالما سيكرر جمهوره نفس ما قام به من قبل من سب أبو تريكة في مباراة الدور الأول بين الناديين بالهتاف "بولليكا بولليكا .... يا أبو تريكة"، وسب المعتز إينو بأمه، والجديد هو أن يستخدم الأوراق العاطفية الجديدة بتحية الحضرى، نكاية في جمهور الأهلي الذي لن يتأخر كثيرا في الرد حسب المألوف بين جماهير الناديين، أي استخدام الاستفزازات لجماهير الأهلي لدفعها للسباب، ومن ثم اتهامها بكل ما يريدون.
ولكن ما الجديد؟، فما سبق يحدث في كل لقاء بين الناديين في كل اللعبات، فما الجديد والذي كان البيان جزءاً من مخططه؟.
الجديد هو استثمار رد فعل جمهور الأهلي في سبابه لشيكابالا بتحويل ذلك إلى بروباجندا في الصحف وكأنها جريمة دولية، بالتنويه بأن الفيفا ترفض العنصرية كوسيلة لحل المشكلات وتعريض عناصر اللعبة للألم النفسي، لذا فهو يرى أن سب شيكابالا يعنى توجيه أذى كبير لدولة شيكابالا والأقلية التي ينتمي لها شيكابالا وهو المحروسة كلها، وبذكاء شديد أولى السيد رئيس النادي للقضية وقتا كافيا مستقطعا من الوقت المخصص لأعماله الكثيرة، وجزءا من الوقت المخصص لإدارة ناديه بمهارة وحكمة، ليسب جمهور الأهلي كله، ويصفه بوصف يعاقب عليه القانون ويمكنه أن يحصل على حكم لصالحه من أول جلسة، وذلك لوصفه بـ "العنصرية" التي ربما يقضى رئيس النادي عمره كله لمحاولة إثباتها على الجمهور دون نجاح، وبالطبع فإن تغيير شيكابالا خلال المباراة يمكن أن يحيل سببه المخطط الماهر، إلى أسباب دولية، فيدفع بالجماهير البيضاء إلى الثورة، وتستجيب اللاعبين والإدارة الفنية والدكة، وتتوقف المباراة، ربما في لحظات كان فيها المنافس هو المتقدم في النتيجة، على أمل في عقل رئيس النادي، إلى ظهور النادي وجماهيره بمظهر الضحية في الأفلام الهندية، ويرتدى رئيس النادي رداء الأبطال، حيث انه يدافع عن مصالح النادي، وذكائه الشديد في توقع الأحداث، وأن النادي المنافس قد خطط لاغتيال عفة شيكابالا ووصفه بأوصاف تخالف طهارته وتاريخه الأبيض وخلقه المشهود له، من كل إدارات ومسئولي النادي ومنهم السيد مدير عام النادي اللواء علاء مقلد – وأتمنى أن يراجعني سيادته - والذي تسبب في أن يحبس المدعو لتهجمه عليه ومحاولة ضربه أمام كل رجال الاتحاد الرياضي العسكري، وعلى مشهد من المارة.
وصاغ السيد رئيس النادي بيانه الذي ينقصه الحكمة واللياقة واللباقة، ولنا عليه الكثير من الملاحظات، التي ربما تلفت نظر السيد الرئيس، لبعض ما يجب أن يراعيه من يحتل منصب رئيس نادي جماهيري عندما يلجأ للبيانات كسلاح حاسم لكسب المباريات بدلا من جهود اللاعبين في الملعب وفكر المدرب وباقي الأجهزة خارج الخطوط، واليكم بعض الملاحظات على مثل هذه الخطوة الهامة:
1- عندما يفكر رئيس نادي في التعامل مع مثل هذه القضية، مع حُسن نية السيد الرئيس، ويرى أن هتافات الجمهور المنافس نؤثر على أداء لاعبيه، فعليه أن يخاطب جمهور النادي المنافس من خلال رسالة إلى جماهيره، يضع ما يريده من النادي المنافس في شكل نصائح لجماهيره، ويذكره بالأخلاق وبالقيم وبأهداف الرياضة، وبأن المباراة هي مجرد 90 دقيقة، على الجميع أن يستمتع بها دون أن يصيب أخيه وجاره بأي جرح، وهذا ما يحثنا عليه ديننا وكل الأديان.
2- أن السيد رئيس النادي قد رأى أن الأخلاق هي فقط في مراعاة الجمهور المنافس لمشاعر لاعبيه، ولم يرى أن جرح مشاعر لاعبى الفريق المنافس أمر يستحق اهتمامه، بل ربما لا يرى ذلك خرقا للأخلاق أو مساس بها، وهذه في الأساس مشاعر الجماهير وليست فكر الإدارة التي تعرف تماما أن هناك مستويات ثقافية مختلفة، تحتاج إلى جهود ليست في قدرة الإدارة السيطرة عليها وحدها بسهولة، وأن ذلك سمات شعب وليست سمات جمهور نادي، ولكن لقلة الخبرة في القيادة والإدارة الرياضية عموما فمثل هذه الأمور لن تجدها واضحة لدى السيد صاحب البيان.
3- أن السيد رئيس النادي كان عليه أن يسيطر على لاعبه ويعلمه أن مفهوم الاحتراف هو عدم إعطاء أذنه للمدرجات، وأن معظم جماهير الأندية تسب معظم لاعبى الفرق المنافسة في كل دوريات العالم وفي مصر بشكل خاص لعدم جدية منعها أو رفضها من الجهات الأمنية، ولو أعتبر كل لاعب أنه لن يستطيع اللعب في ظل الهتافات المعادية، لخرج متعب وتريكة والحضري – أيام كان جمهور الزمالك يكرهه قبل أن يحبه فجأة- من كل مباريات الزمالك السابقة.
4- وضع السيد رئيس النادي ما سماه عن غير علم أو فهم لطبيعة السباب، أن سباب شيكابالا وحده هي المؤثرة على الفريق واللاعب، ولم يسعى لمنع كل السباب لكل لاعبيه، وذلك إما لأن شيكابالا معه وحده دون الباقين مفتاح الفوز والنجاة للسيد رئيس النادي والسبب السحري المنتظر لنجاح في الانتخابات، أو أنه لا يسمع سبابا من الجماهير لباقي لاعبيه، وربما أخيرا أن المخطط الذي يرتب له لن يفلح إلا باستخدام اسم شيكابالا ومن خلال سبب كبير كالعنصرية التي أشك في أنه يعرف ماهيتها تماما.
5- تأكيد السيد رئيس النادي على سباب شيكابالا دون أن يسمع سباب جماهير ناديه، يجعلنا نشك في فهمه لمعنى الخروج عن الأخلاق، فسب شيكابالا مثلا بأنه أسود وهذا غير مقنع ولا مقبول كسباب في بلد معظم أهلها يتسمون بسمار وسواد الوجه، دليل على أنه يرى أن السب بالأب والأم لا يعنى في قاموس السيد رئيس النادي مخالفة أو تجاوز أخلاقي وشرعي، وهذا أمر مثير ويحتاج لدراسة تلك المفاهيم الجديدة التي ستؤثر حتما على نادي الزمالك وتغيير أولويات احترامها للأب والأم كألفاظ غير مقبولة لكل العرب والعجم إلا السيد رئيس النادي.
4- اعتبر السيد رئيس النادي أن تهديد جماهير النادي المنافس هي الأقرب لحل المشكلة، فهل يؤيده أحد في ناديه وجماهيره؟، وما رأيه في أن يرد على تهديداته الجماهير التي سبها العنصرية طبقا لمستوياتها الفكرية المختلفة ؟ هل تقبل جماهير نادي الزمالك أن يتحول رئيس ناديها إلى أحد الجماهير المتعصبة لتضيع هيبة رئيس النادي مع جماهير النادي المنافس؟، وهل سمعتم عن رئيس مركز شباب فعل ذلك من قبل؟.
5- لا اعرف كيف لم يعتبر رئيس النادي ناديه ضمن منظومة لكرة القدم بمصر، أيا كانت ملاحظاتنا على أداء إتحاد كرة القدم، فهل من المألوف التعامل بن رئيس النادي وجماهير النادي المنافس مباشرة؟، وكيف يحفظ الاتحاد حقوق رئيس النادي إذا ردت عليه الجماهير في المدرجات؟، ومن سيعتبر مثير المشاكل هل رئيس النادي الذي بادر الجماهير بالسب بأنهم عنصريون أم الجماهير التي ترد عن نفسها التهمة؟.
هل عرفنا حجم ما سيحدث غدا في مباراة الأهلي والزمالك؟، لننظر لصورة اللافتة التي تعدها روابط الزمالك لرفعها غداً في مدرجاتها لتستفز جماهير الأهلي وتدعوها للرد، وبموافقة إدارة الزمالك:
هل هذه هى الرياضة من وجهة نظر جماهير وإدارة نادى الزمالك؟.
هل مثل هذه اللافتات التى يدافع عن أصحابها رئيس نادى الزمالك فى الوقت الذى يتهم فيه جماهير الأهلي بالعنصرية؟.
هل ترى جميع جماهير مصر الجهود المخلصة لرئيس وجماهير نادى الزمالك فى سبيل عودة ناديهم لاحتلال مكانه الطبيعي؟.
هل ما فى الصورة هى خلاصة ابتكارات وجهود السيد ممدوح عباس لإعلاء شأن ناديه وعودته للانتصارات؟.
ما رأيك يا رئيس النادي: من هو العنصري؟، جماهير الأهلي أم من يسب الناس بالنازية؟.
ما رأى كل جماهير مصر فيما يخطط له نادى الزمالك قبل مباراة القمة مع وجود مثل هذه اللافتات؟.
هل يسعى الزمالك للفوز من خلال مباراة لكرة القدم أم يخطط لأمر آخر؟.
ما رأى الجميع فى الروح الرياضية؟.
هل عرف الجميع لماذا وصل الأهلى لهذه المكانة؟.
لأنه نادي المبادئ والقيم وليس نادى المخططات وسب الناس بما هو فيهم.
بالطبع يمكن أن نخط كتبا كملاحظات على أداء إدارة ذلك النادي، التي يتعامل رئيسها مباشرة مع جماهير النادي المنافس، ونعجب لما سبق وأن حدث منه عندما التقى بأحد رؤساء إدارات النادي المنافس له على شاشة التليفزيون، ورفض أن يستكمل الحوار معه لأنه ليس من مستواه فهو لا يتحاور ألا مع رئيس نادي مثله برغم أن الأمر لم يكن مبارزة بالمناصب، فالأمر كان سؤالاً وجواباً وأنت قبلت الحديث على الشاشة ولم يكن محدثك رئيس نادي إنما كان مذيعا ومقدما للبرامج، وكان يمكن لأي إداري صغير بناديك أن يقوم بما قمت به حينها، فهل اكتشفت فجأة أن مستواك هو التهديد المباشر لجماهير النادي المنافس مع كل المحاذير بأن ردودها قد تكون على قدر ألفاظك ولكنها لا تناسب منصب رئيس نادي؟.
من الواضح أن رئيس النادي قد فهم خطأ أن ما يقوم به ليس مفهوما لطفل صغير في مصر العنصرية، وأنه يخطط لأمر ما في الملعب قد يكون انسحاباً جديدا يضاف إلى سلسلة انسحابات ناديه في مثل هذه المباريات في السنوات الأخيرة كحل للتغلب على تفوق النادي الأهلي، مستغلا خلاف الأهلي الحالي مع لاعبه ودخول نادي أجنبي طرفا وعرض القضية على الفيفا، رغبة منه في لي ذراع الأهلي، وهذا المقال نداء إلى كل القائمين على كرة القدم بمصر، أوقفوا المخطط، وانزعوا فتيل إفساد مباراة القمة عن طريق من لا يقدر الرياضة والروح الرياضة، ويستبدلها بألفاظ لا تعرفها إلا الأمم المتحدة في علاقاتها مع الأقليات العرقية والدينية في بعض البلاد التي لا يصل عددها لأصابع اليد الواحدة .
السيد رئيس النادي، اترك العيش لخبازه، دعم ناديك بالأموال فقط وأترك التخطيط والكرة والرياضة عموما للرياضيين من أبناء النادي والذين يفهمون بها، واختر لنفسك مقعدا جيدا بالإستاد يناسب مكانتك، واسلك بما لا يعرض باقي رؤساء الأندية للحرج من زميلهم الذي يفضل احتلال مقاعد المتفرجين والجماهير، وتقليدهم قولاً وفعلاًً.
السيد رئيس النادي، ندعوك لتحمل مسئولياتك كرئيس لنادي الزمالك العريق، وأن تترك مقعد مشجع الدرجة الثالثة التي تفخر به، حتى تستطيع انتقاء ما يمكن قوله وما لا يمكن قوله، فهناك فارق بين الخطاب الجماهيري، والخطاب الرسمي، وما تتلفظ به الجماهير لا يصح أن يخرج من أفواه المسئولين.
نصيحة أخيرة :
بدلا من تهديد الجماهير المنافسة، ودفعها للسباب من خلال التحدي، بطريقة "لو رجالة اشتموا"، وهو ما يهدف بيان نادي الزمالك أن يحدث بالفعل، رجاء التنبيه على كل جماهيرك – من مقعد ومسئولية رئيس النادي، وليس من مقعد مشجع الدرجة الثالثة -، بأن تتوقف عن سب لاعبى الأهلي أو ترقيص الحضرى ورفع لافتات الاستفزاز، ولا شك أنك أدنت نفسك مسبقا، فكل ما سترتب على بيانك أنت مسئول عنه لأنه لم يحث من قبل، فالفوز في مباريات كرة القدم إن لم تكن تعلم، يتم بمهارة أداء اللاعبين وتوفيق الله، وليس بالتهديد والسباب ورفع الأحذية، وكفي!!.